سورة الأنعام - تفسير نيل المرام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


الآية الأولى:
{وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (108)}.
{وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} الموصول عبارة عن الآلهة التي كانت تعبدها الكفار.
والمعنى: لا تسب يا محمد آلهة هؤلاء الكفار التي يدعونها من دون اللّه فيتسبب عن ذلك سبهم اللّه، عدوانا وتجاوزا عن الحق، وجهلا منهم.
وفي هذه الآية دليل على أن الداعي إلى الحق، والناهي عن الباطل، إذا خشي أن يتسبب عن ذلك، ما هو أشد منه من انتهاك حرم، ومخالفة حق، ووقوع في باطل أشد، كان الترك أولى به، بل كان واجبا عليه.
قال الشوكاني في فتح القدير: وما أنفع هذه الآية، وأجل فائدتها لمن كان من الحاملين لحجج اللّه، المتصدين لبيانها للناس، إذا كان بين قوم من الصم البكم الذين إذا أمرهم بمعروف تركوه، وتركوا غيره من المعروف، وإذا نهاهم عن منكر فعلوه، وفعلوا غيره من المنكرات، عنادا للحق، وبغضا لاتباع المحقين، وجرأة على اللّه، فإن هؤلاء لا يؤثر فيهم إلا السيف، وهو الحكم العدل لمن عاند الشريعة المطهرة، وجعل المخالفة لها، والتجرؤ على أهلها ديدنه، وهجيراه كما يشاهد ذلك في أهل البدع إذا دعوا إلى حق وقعوا في كثير من الباطل، وإذا أرشدوا إلى السنة قابلوها بما لديهم من البدعة! فهؤلاء هم المتلاعبون بالدين، المتهاونون بالشرائع، وهم أشر من الزنادقة، لأنهم يحتجون بالباطل، وينتمون إلى البدع، ويتظاهرون بذلك غير خائفين ولا وجلين.
والزنادقة قد ألجمتهم سيوف الإسلام، وتحاماهم أهله، وقد ينفق كيدهم، ويتم باطلهم وكفرهم، نادرا على ضعيف من ضعفاء المسلمين، مع تكتم وتحرز وخيفة ووجل. انتهى.
وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أن هذه الآية محكمة ثابتة، غير منسوخة، وهي أصل في سد الذرائع، وقطع التطرق إلى الشبه.
وقوله: {عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (108)} منصوب على الحال، أو على المصدر، أو على أنه مفعول له.


الآيتان الثانية والثالثة:
{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)}.
{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}: قيل إنها نزلت في سبب خاص، كما أخرج أبو داود والترمذي وحسنه، والبزار وغيرهم، عن ابن عباس قال: جاءت اليهود إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقالوا: إنا نأكل مما قتلنا ولا نأكل مما قتل اللّه، فأنزل اللّه هذه الآية.
ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكل ما ذكر الذبح عليه اسم اللّه حل، إن كان مما أباح اللّه أكله.
وقال عطاء: في هذه الآية الأمر بذكر اللّه على الشراب والذبح، وكل مطعوم.
... إلى قوله: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}: أي بين لكم بيانا مفصلا يدفع الشك ويزيل الشبهة بقوله: {قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} [الأنعام: 145] إلى آخر الآية.
ثم استثنى فقال: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}: أي من جميع ما حرمه اللّه عليكم فإن الضرورة تحلل الحرام. وقد تقدم تحقيقه في البقرة.


الآية الرابعة:
{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}.
{وَلا تَأْكُلُوا}: نهى اللّه سبحانه عن الأكل: {مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}، بعد أن أمر بالأكل مما ذكر اسم اللّه عليه، وفيه دليل تحريم أكل ما لم يذكر اسم اللّه عليه.
وقد اختلف أهل العلم في ذلك فذهب ابن عمر ونافع مولاه، والشعبي وابن سيرين، وهو رواية عن مالك وعن أحمد بن حنبل، وبه قال أبو ثور وأبو داود الظاهري، إلى أن ما لم يذكر اسم اللّه عليه من الذبائح حرام من غير فرق بين العامد والناسي لهذه الآية، ولقوله تعالى في آية الصيد: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4].
ويزيد هذا الاستدلال تأكيدا قوله سبحانه في هذه الآية: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}.
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة الأمر بالتسمية، في الصيد وغيره.
وذهب الشافعي وأصحابه- وهو رواية عن مالك ورواية عن أحمد- إلى أن التسمية مستحبة لا واجبة، وهو مروي عن ابن عباس وأبي هريرة وعطاء بن أبي رباح.
وحمل الشافعي الآية على من ذبح لغير اللّه وهو تخصيص بالآية بغير مخصص.
وقد روى أبو داود في المراسيل أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم اللّه عليه أو لم يذكر»، وليس في هذا المرسل ما يصلح لتخصيص الآية نعم حديث عائشة أنها قالت للنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: إن قوما يأتوننا بلحمان لا ندري أذكر اسم اللّه عليه أم لا؟ فقال: «سموا أنتم وكلوا» يفيد أن التسمية عند الأكل تجزئ مع التباس وقوعها عند الذبح.
وذهب مالك وأحمد في المشهور عنه وأبو حنيفة وأصحابه، وإسحاق بن راهويه أن التسمية إن تركت نسيانا لم تضر، وإن تركت عمدا لم يحل أكل الذبيحة، وهو مروي عن علي وابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء وطاووس والحسن البصري وأبي مالك وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجعفر بن محمد وربيعة بن أبي عبد الرحمن.
واستدلوا بما أخرجه البيهقي عن ابن عباس عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «المسلم إن نسي أن يسمي حين يذبح فليذكر اسم اللّه وليأكله».
وهذا الحديث رفعه خطأ وإنّما هو من قول ابن عباس.
وكذا أخرجه من قوله عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر.
نعم يمكن الاستدلال لهذا المذهب بمثل قوله تعالى: {رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا} [البقرة: 286]، وبقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان».
وأما حديث أبي هريرة الذي أخرجه ابن عدي: أن رجلا جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقال: يا رسول اللّه أرأيت الرجل ذبح ونسي أن يسمي؟ فقال النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «اسم اللّه على كل مسلم»، فهو حديث ضعيف قد ضعفه البيهقي وغيره.
والضمير في قوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} يرجع إلى (ما) بتقدير مضاف، أي وإن أكل ما لم يذكر لفسق، ويجوز أن يرجع إلى مصدر تأكلوا، أي فإن الأكل لفسق.
وقد تقدم تحقيق الفسق.
وقد استدل من حمل هذه الآية على ما ذبح لغير اللّه بقوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}، ووجه الاستدلال أن الترك لا يكون فسقا، بل الفسق الذبح لغير اللّه.
ويجاب عنه بأن إطلاق اسم الفسق على تارك ما فرضه اللّه عليه غير ممتنع شرعا.

1 | 2